
افتُتح معرض "همام" الدولي للفنون، في العاصمة الإيرانية طهران، وهو فعالية فنية وثقافية واسعة تحتضن أعمال وإبداعات الفنانين من أصحاب الهمم وذوي الاحتياجات الخاصة، بمشاركة محلية ودولية.
واستقطب المعرض في دورته الأخيرة أكثر من عشرة آلاف عمل فني تم الترشح بها للمشاركة، فيما جرى اختيار نحو ستمائة عمل للعرض ضمن القاعات الرئيسية للفعالية، ما يعكس حجم التفاعل الكبير من الفنانين والمؤسسات المهتمة بالفن الإنساني.
وتنوّعت المشاركات بين أعمال تشكيلية ورسومات وتصاميم وحِرف يدوية، إلى جانب عروض موسيقية ومسرحية قدّمها فنانون من أصحاب الهمم، في أجواء فنية أظهرت طاقاتهم الإبداعية وقدرتهم على التعبير الفني الراقي.
كما ضمّ المعرض 430 فنانا من مختلف المحافظات الإيرانية البالغ عددها 31 محافظة، بالإضافة إلى مشاركة فنّانين من 14 دولة حول العالم، ما منح الحدث طابعا دوليا ورسالة إنسانية تعبّر عن وحدة الإبداع رغم اختلاف القدرات واللغات.
واحتضن المعرض مجموعة من الورش والندوات والعروض الحية التي أتاحت للجمهور التفاعل المباشر مع الفنانين، إلى جانب تخصيص جناح خاص لعرض الأعمال المتميزة القابلة للبيع، حيث شهدت بعض اللوحات اهتماما كبيرا من الزوار والمتبرعين، وصلت عروض الشراء لبعضها إلى مبالغ مرتفعة تقديرا لقيمتها الفنية والإنسانية.
ويهدف معرض "همام" إلى تمكين الفنانين من أصحاب الهمم وتوفير منصة لعرض أعمالهم أمام الجمهور المحلي والدولي، كما يسعى إلى تعزيز الثقة بالنفس، ونشر ثقافة الأمل، وتشجيع المجتمع على دعم الطاقات الإبداعية الكامنة لدى هذه الفئة، تأكيدا على أن الفن وسيلة عالمية للتعبير عن الذات، لا تحدّه الإعاقة أو القيود الجسدية.
ويُعدّ معرض "همام" واحدا من أبرز المبادرات الثقافية التي تعكس التزام المجتمع الفني الإيراني بتعزيز الدمج الثقافي والإنساني، وتأكيد مكانة الفن كجسر للتواصل بين الشعوب، وكأداة نبيلة لتكريم إرادة الإنسان وإبداعه.
وفي تصريح لوكالة يونيوز للأخبار، قالت المشاركة من محافظة مازندران الإيرانية مريم أميني "أعاني من ضمور عضلي، وبعد ثلاث سنوات من الصعوبات الجسدية القاسية التي مررت بها، بدأت منذ عام وثلاثة أشهر الرسم".
وأضافت "تعلمت الفن في المركز الثقافي والفني آسورِين في محافظة مازندران، على يد أستاذي العزيز حجت عيسى بور، في البداية، ساعدوني باستخدام قوالب بسيطة لأبدأ برسمات خفيفة على اللوح، ومن هناك كانت البداية الحقيقية للرسم. ومع المثابرة والتركيز المستمر على لوحاتي، وبعد مرور عام وثلاثة أشهر، قررت أن أخلق أعمالي الخاصة".
وأردفت أميني "كان والدي يعيش في مدينة أصفهان بينما كنت أنا في مازندران، فكان يرسل لي صورا لزهور يقطفها ويضعها في مزهريات، لتكون مصدر إلهام لي، ومن تلك الصور وُلدت فكرة لوحتي الأولى التي أطلقتُ عليها اسم حنان الأب، وبعد أن تحسنت حالتي الصحية، استطعت أن أبدع عملا جديدا أطلقتُ عليه اسم التحوّل، لأنه يجسد انتقال حياتي من الظلمة إلى النور".
وفي السياق، قال أمير توحيدي بور إنّ "العمل الفني الذي أقدمه يتكوّن من قطعٍ صغيرة يتم جمعها وتركيبها لتشكّل معا هذه اللوحات الجميلة التي تشاهدونها، هذا هو المعرض الرابع لمهرجان همام الدولي، وقد شاركتُ في الدورات الأربع جميعها".
ولفت توحيدي بور إلى أنّ "ما يميّز هذا المهرجان أنه يجمع فنانين من أصحاب الهمم من مختلف أنحاء البلاد، وحتى من دول أخرى. أتمنى أن تُمنح مشاركاتنا مزيدا من الاهتمام وأن تُخصص برامج المهرجان لدعمنا بشكل عملي، من خلال توفير فرص عمل فنية لنا، واستلام طلبات من المؤسسات الرسمية لاقتناء أعمالنا أو تقديمها كهدايا في المناسبات الوطنية والاجتماعية".
من جانبه، قال يعقوب جبرائيل عيسى من نيجيريا، إنّ "هذه هي المرة الأولى التي نشارك فيها في مهرجان همام، ونحن سعداء جدا بهذه التجربة. لقد كان المهرجان مصدر تشجيعٍ وأمل كبير لنا، وتعرّفنا فيه على الكثير من التجارب الجديدة".
وتابع "في ثقافتنا النيجيرية، يُكرَّم حفظة القرآن في المدارس المحلية بأن يخطّوا القرآن بأيديهم باستخدام الخط التقليدي البسيط المعروف لدينا، وهو قريب من الخط الكوفي، إذ يُقال إن هذا الفعل يقوّي الحافظة ويزيد التركيز، وقد قمنا نحن بكتابة القرآن الكريم كاملا بخطّ يدنا، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، لكننا جلبنا إلى المهرجان نماذج محدودة من أعمالنا الخطية للمشاركة، وخلال وجودنا هنا، شاهدنا الكثير من الجمال، وتعلمنا أشياء كثيرة تُلهمنا لمواصلة طريق الإبداع".
أما محمد حسن رضوي من الهند، فقال إنّ "هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها في الدورة الرابعة من مهرجان همام الدولي. قدمتُ في هذه المشاركة عددا من الأعمال الرقمية، بالإضافة إلى عمل واحد في فن الخط العربي".
وأضاف "أرى أن هذا المهرجان هو بحق مهرجان الإرادة والقوة، فهو يُبرز تفتح مواهب أصحاب الهمم، ويمنحهم فرصةً لعرض ما قد لا يجدون له منصة في أماكن أخرى، أنا سعيد جدا لأن الناس هنا يمكنهم أن يشاهدوا إبداع الخالق في خلق الإنسان، وكيف يمكن أن تتجلّى مواهبه في أبهى صورها، ففي هذا المهرجان نرى الإبداع، والفن، والعزة، والإرادة القوية، جميعها تتجسّد في لوحات وإبداعات نابضة بالحياة".
وقال مشارك من أفغانستان "شاركتُ في المهرجان بـ 7 أعمال فنية متنوعة، من بينها لوحات بالألوان الزيتية وأخرى بتقنية الحرق على الخشب، وهي ميزة خاصة لأعمالي في هذا المعرض".
وتابع "لوحاتي مستوحاة من البيئة والمجتمع الأفغاني، وقد مثّلتُ بها وطني بكل فخر، أودّ أن أعبّر عن رأيي فيما يخصّ طبيعة هذا المهرجان، أعتقد أن المعارض والمهرجانات المخصصة لأصحاب الهمم يجب أن تبقى بعيدة عن الطابع التجاري البحت، وألّا تتحول إلى صناعة ربحية في أيدي المؤسسات والمنظمات، لأن الهدف الأسمى منها هو إيصال صوت الفنانين وإظهار مشاعرهم وتجاربهم الإنسانية، لا تحويل معاناتهم إلى سلعة".
