الزراعة الذكية في إيران.. من الحقول إلى الطاقة النووية

شهدت قاعة المؤتمرات شمال العاصمة الإيرانية طهران، فعالية وطنية على مدار يومين بمناسبة افتتاح العام الزراعي الجديد في البلاد، بحضور وزير الزراعة "غلام رضا نوري" وكبار مسؤولي الوزارة، إضافة إلى ممثلين عن المؤسسات البحثية والشركات المعرفيّة.

وقد شكل هذا اللقاء منصة متكاملة لاستعراض إنجازات القطاع الزراعي خلال العام الماضي، وطرح خطط مستقبلية طموحة تسعى إلى تعزيز الأمن الغذائي وتطوير القدرات الإنتاجية عبر الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات السلمية للطاقة النووية.

وأكدت الكلمات الرسمية أن القطاع الزراعي تمكن خلال العام الماضي من إنتاج ما يقارب 133 مليون طن من مختلف المحاصيل الحقلية والبستانية والحيوانية، وبيّنت الأرقام أن ميزان التجارة الزراعية شهد تحسنا ملموسا بعد أن تراجع العجز بحوالي ثلاث مليارات دولار مقارنة بالعام السابق، مدفوعا بزيادة الصادرات وتراجع بعض الواردات.

كما حقق قطاع البساتين نموا تجاوز 6%، في حين بلغت عائدات صادرات الفواكه والمكسرات والبذور قرابة أربع مليارات دولار، وهو ما يبرهن على قدرة المنتجات الزراعية الإيرانية على المنافسة في الأسواق الخارجية.

وطرحت الفعالية رؤية واضحة لزيادة التنوع الزراعي وإدارة الموارد المائية بكفاءة، حيث تم التركيز على التوجه نحو محاصيل أقل استهلاكا للمياه مثل الزعفران، إلى جانب خطط لرفع إنتاجية الهكتار عبر التوسع في الإرشاد الزراعي وتحديث الآلات.
 


كما أبرزت مشاريع تطوير سلسلة القيمة (Value Chain) والتي تشمل بناء مرافق للتعبئة والتخزين البارد (cold chain) من أجل تقليل الاضرار بعد الحصاد وتحسين جودة الصادرات.

وأكدت المداخلات أيضا على الدور المتنامي للشركات المعرفيّة في توفير حلول تقنية محلية، بدءا من الطائرات المسيّرة (drone) وأجهزة الاستشعار الدقيقة، وصولا إلى إنتاج الأدوية واللقاحات البيطرية.

وقدّمت جلسات المؤتمر صورة متقدمة عن إدماج التكنولوجيا في الزراعة الإيرانية، فقد باتت الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) ركيزة أساسية تعتمد على صور الأقمار الصناعية ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) وأجهزة الاستشعار لرسم خرائط المحاصيل وضبط عمليات الري والتسميد بدقة متناهية.

كما جرى تسليط الضوء على الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة والروبوتات في الرشّ والكشف عن الآفات والتصوير متعدد الأطياف، إلى جانب التجارب الناجحة في الروبوتات المخصصة للحرث والحصاد.

وفي السياق، يجري العمل على إنشاء منصات للبيانات الضخمة (Big Data) تتيح جمع وتحليل معلومات التربة والطقس وصحة النباتات من أجل اتخاذ قرارات أكثر ذكاء على مستوى المزارع والدولة.

وخصصت مساحة بارزة من الفعالية لعرض الطاقة النووية السلمية التي يمكن أن تشكل قفزة نوعية في الزراعة الإيرانية، فقد تم استعراض "التعقيم بالإشعاع (irradiation) لزيادة العمر التخزيني للمنتجات الغذائية وتقليل الحمل الميكروبي، تقنيات تربية الطفرات (mutation breeding) لإنتاج أصناف جديدة أكثر مقاومة للجفاف والآفات، تطبيقات هيدرولوجيا النظائر (isotope hydrology) لدراسة حركة المياه في التربة والنبات وتحسين جداول الري، استخدام التقنيات النووية في المجالات البيطرية، وإنتاج اللقاحات، وتحسين الأعلاف، فضلا عن دعم الاستزراع المائي عبر تقنيات مثل إنتاج الأسماك أحادية الجنس".

وشكلت الثروة الحيوانية والثروة المائية محورين رئيسيين في النقاشات، باعتبارهما ركيزة الأمن الغذائي في البلاد.

فقد جرى الإعلان عن برامج لتوسيع الإنتاج المحلي من اللقاحات البيطرية لحماية الماشية والدواجن من الأمراض وتقليل الاعتماد على الاستيراد، إلى جانب خطط لتحسين السلالات الوراثية وتطوير أنظمة رقمية لإدارة القطعان. أما على صعيد الثروة المائية، فقد أبرزت النجاحات في الاستزراع السمكي، حيث سجل الإنتاج في الأحواض والأقفاص البحرية نموا تجاوز 12% في بعض القطاعات.

كما تم عرض تقنيات جديدة في إدارة المياه والأعلاف والسيطرة على أمراض الأسماك، إضافة إلى اعتماد إنتاج الأسماك أحادية الجنس لتعظيم الكفاءة الإنتاجية.

وخلص المؤتمر إلى مجموعة توصيات عملية، من بينها "توسيع محطات التعقيم بالإشعاع مع الالتزام الصارم بمعايير السلامة والجودة، توفير حزم دعم لصغار المزارعين لتمكينهم من الاستفادة من تقنيات الزراعة الدقيقة والطائرات المسيّرة، تعزيز استثمارات القطاعين العام والخاص في سلسلة التبريد (cold chain)، وضع خطة وطنية متكاملة للثروة الحيوانية والمائية تشمل تحسين الأعلاف، إنتاج اللقاحات، وتطوير أنظمة الاستزراع الحديثة".

أثبتت فعالية افتتاح العام الزراعي في طهران أن الزراعة الإيرانية تدخل مرحلة جديدة قوامها الدمج بين المعرفة التقليدية والتقنيات الحديثة.

فمن الإنتاج الذي تجاوز 133 مليون طن، إلى التوسع في الاستزراع المائي، ومن تقنيات الزراعة الدقيقة إلى الطاقة النووية، كلها شواهد على تطور نوعي في القطاع، الامر الذي يجعل إيران نموذجا إقليميا في دمج التكنولوجيا بالزراعة لتحقيق الأمن الغذائي.

وفي تصريح لوكالة يونيوز للأخبار، قال مساعد وزير الزراعة في شؤون الثروة المائية حمزة رستم بور، إنّه "يعمل في قطاع الثروة السمكية لدينا نحو مئتين وستين ألف شخص، وخلال السنوات الأخيرة أولى قائد الثورة اهتماما خاصا بتطوير الاقتصاد البحري، وكذلك يعقد رئيس الجمهورية جلسات متكررة ويؤكد على أهمية الاقتصاد القائم على البحر، وهو نفس الاتجاه الذي يسلكه العالم اليوم".

وأضاف "بالنظر إلى ما أعلنته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من أنه بحلول عام 2050 سيغطي قطاع الثروة السمكية جزءا كبيرا من تأمين الأمن الغذائي في جانب البروتين الحيواني، فإن مسؤولياتنا في هذا المجال تتضاعف".

وتابع رستم بور "بإيجاز، يمكن تقسيم مهامنا في قطاع الثروة السمكية إلى ثلاثة محاور رئيسية، في مجال إدارة المخزونات المائية، تقع على عاتقنا مهمة إعادة تأهيل هذه المخزونات، ففي بحر قزوين وجنوب البلاد نتابع برامج لإعادة الإعمار المخزونات، وقد أطلقنا في العام الماضي أكثر من خمسمائة مليون من صغار الاسماك. كما نسعى في مجال إدارة المخزونات إلى تطبيق مبدأ الإدارة المشتركة لعمليات الإنتاج، إذ بدأ الصيادون أنفسهم يدركون أهمية هذا النهج، وأصبحوا شركاء حقيقيين في المساهمة في الحفاظ على الثروات المائية".

من جانبه قال مساعد وزير الزراعة في شؤون الزراعة مجيد آنجفي، إنّ "إيران تنتج ما يقارب مئة نوع من المحاصيل الزراعية، تشمل الحبوب، والخضروات، والبقوليات الزيتية، والمحاصيل السكرية، وغيرها".

وأردف "رغم الظروف الخاصة التي واجهها بلدنا، بما في ذلك العقوبات، فقد اكتسب مزارعونا قدرات وخبرات خاصة مكنتهم من الاعتماد على أحدث التقنيات والوسائل العلمية والبحثية. ومن خلال الاستفادة من الأرقام المتنوعة والقدرات المختلفة، إضافة إلى استخدام بيانات الأرصاد الجوية وتقنيات الاستشعار عن بُعد وصور الأقمار الصناعية، استطعنا أن نحقق استقرارا واستدامة في الإنتاج الزراعي".

ولفت آنجفي إلى أنّه "حاليًا ينتج في البلاد اكثر من 130 مليون طن من المنتجات، منها نحو 97 مليون طن تعود إلى قطاع الزراعة وحده، وهو ما يعكس تنوعا واسعا في هذا المجال، ومع ذلك، فإن أكبر أزمة تواجهنا اليوم هي أزمة المناخ وشحّ المياه، إذ تظل إدارة الموارد المائية أكبر التحديات المطروحة أمامنا".

بدوره، قال رئيس مؤسسة الزراعة في محافظة فارس أحد بهجت حقيقي، إنّ "الحكومة وضعت خططًا لمعالجة الثغرات الموجودة، ولا شك أن هناك نواقص ينبغي تجاوزها، لكن تركيزنا الأساسي ينصب على التصدير وعلى توطيد علاقاتنا مع دول المنطقة. فقد ثبت أن بعض الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة ليسوا شركاء موثوقين لأي مكان في العالم".

وأضاف "نحن لم نتضرر من العقوبات بقدر ما حُرمت أوروبا نفسها من السوق الإيرانية القيمة في مجال المنتجات الزراعية، نحن لا نواجه مشكلة في التعاون مع دول الجوار، بل نعمل مع أشقائنا في العراق وقطر وعُمان ولبنان، ومع العزم القائم لدى الحكومة ووزارة الجهاد الزراعي والسيد الوزير المحترم، وبمساندة الشعب الواعي والجامعات المرموقة التي تمتلكها إيران، ومع التكنولوجيا الحديثة التي تتوسع في البلاد، فإننا نسير بخطى واثقة".

وتابع "صحيح أن العقوبات كان لها أثرها، لكنها لم تستطع أن تنتزع منا العلم والمعرفة. ما يسعى إليه الأعداء هو استهداف علمائنا، لكن العلم متجذر في عقول أبناء شعبنا، ولهذا نحن واثقون بأن أياما مشرقة تنتظرنا".

وأشار إلى أنّ "ما رآه من وحدة إقليمية متنامية، خصوصا بعد الاعتداء الذي قام به الكيان الصهيوني على قطر والذي كشف أنه لا يلتزم لا بالقواعد المكتوبة ولا بغير المكتوبة، إذ كان هناك تفاهم غير معلن بعدم استهداف قادة حماس في قطر، لكن هذا تم تجاوزه، قد جعل كثيرا من الدول الأخرى، ومنها المملكة العربية السعودية، تدرك طبيعة هذا الكيان أكثر من ذي قبل.

هذا وأفاد مساعد وزير الزراعة في شؤون التخطيط أكبر فتحي، بأنّ "قطاع الزراعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قائم في جوهره على المعرفة، فقد وضع أساسه منذ البداية على قاعدة الزراعة المبنية على العلم".

وأضاف "أقول ذلك لأن الاهتمام بالإنتاج المدروس، واعتماد الأساليب الحديثة، والمكننة الزراعية كان دائما جزءا أصيلا من هذا القطاع، مع ما يمتلكه من قدرات في مجالات متعددة".

وتابع "لدينا إمكانات في إنتاج الطاقة، وإنتاج في الثورة المائية، وبناء البيوت البلاستيكية، وتنفيذ أنظمة الري الحديثة، كما تأسست في السنوات الأخيرة شركات معرفيّة في مجال الزراعة استطاعت أن تعالج النواقص التي كنا نسدها في السابق بالاستيراد، ومن أبرز إنجازاتها الدخول إلى مجال إنتاج الكهرباء الهجينة مؤخرا، الأمر الذي ساعد على تلبية كثير من الاحتياجات الداخلية والتقليل من الاعتماد على الخارج".

تم نسخ رابط الخبر