"آتاويتا": أكبر مجمع بيوت زجاجية للزراعة المائية في غرب آسيا

في قلب شمال غرب إيران، وعلى مقربة من الحدود مع أذربيجان، يقف مشروع "آتاویتا" كأكبر مجمع للبيوت الزجاجية في غرب آسيا، حيث يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والإنتاج الزراعي الضخم، ليحول المنطقة الحرة أرس إلى نموذج عالمي للزراعة المحمية المبتكرة.

تعد مجموعة "آتاویتا" الزراعية الصناعية أكبر مشروع للبيوت الزجاجية الحديثة في إيران ومنطقة غرب آسيا، وواحدة من بين عشرة مشاريع مماثلة تصنف ضمن الأضخم على مستوى العالم. يقع المشروع في المنطقة الحرة التجارية–الصناعية أرس قرب مدينة جلفا في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب البلاد، وهو موقع جغرافي استراتيجي يتيح سهولة الوصول إلى أسواق روسيا والقوقاز والشرق الأوسط، ويمنح المشروع ميزة إضافية في التصدير السريع والفعال.
 


بدأت فكرة إنشاء المشروع منذ سنوات في إطار استراتيجية تهدف إلى إدخال تقنيات الزراعة الحديثة لإيران، وتطور تدريجيا من مجمعات صغيرة إلى مساحات شاسعة تغطي اليوم أكثر من 150 هكتارا من البيوت الزجاجية الصناعية. ومع النجاحات المتحققة، أطلقت المجموعة توسعة جديدة بمساحة 240 هكتارا مخصصة لزراعة الفواكه الاستوائية، مع خطة طموحة لرفع المساحة الكلية إلى نحو ألف هكتار في المستقبل القريب، وهو ما سيجعلها الأكبر من نوعها في المنطقة بلا منازع.
تم تزويد المشروع بأنظمة تشغيل متطورة تعتمد على التشغيل الآلي باستخدام الروبوتات والأنظمة الذكية للتحكم والإدارة دون تدخل بشري مباشر، بالإضافة إلى أنظمة دقيقة للتحكم في الحرارة والرطوبة والإضاءة. وقد جرى تشييد هذه البنية التحتية بالتعاون مع خبراء ومهندسين هولنديين، حيث تعتبر هولندا الرائدة عالميا في هذا المجال. كما يستمر حضور الخبراء الأجانب في تقديم الاستشارات الفنية، ما مكن "آتاویتا" من منافسة أرقى البيوت الزجاجية في أوروبا من حيث التكنولوجيا والإنتاجية.
ينتج المجمع سنويا عشرات آلاف الأطنان من الخضروات الطازجة، وأبرزها الطماطم والفلفل الحلو والباذنجان، وتخصص نسبة تصل إلى 95% من هذا الإنتاج للتصدير، وخاصة إلى السوق الروسية التي تعد الوجهة الرئيسية للمنتجات. وفي السنوات الأخيرة، اتجهت المجموعة إلى تنويع منتجاتها بإدخال أصناف استوائية عالية القيمة، مثل الموز و"فاكهة التنين" (Dragon Fruit) و"بلوبري" (Blueberry)، وهو ما يعد سابقة في الزراعة الإيرانية، نظرا لعدم ملاءمة المناخ المحلي عادة لهذه المحاصيل.
على المستوى الاجتماعي، يعتبر المشروع من أبرز مراكز التوظيف في المنطقة الحرة أرس، حيث يعمل فيه نحو ألفي عامل إلى جانب أكثر من مئتي متخصص في مجالات الزراعة والهندسة والإدارة، ما يساهم في رفع المستوى المعيشي للسكان المحليين، ويعزز من مكانة المنطقة كمركز متطور للزراعة الصناعية. كما يشكل المشروع فرصة لتدريب الشباب الإيراني على أحدث تقنيات الزراعة المائية والزراعة المحمية، ما يفتح أمامهم آفاقا جديدة للابتكار وريادة الأعمال.

اقتصاديا، يعد "آتاویتا" مصدرا مهما للعملة الصعبة من خلال صادراته الضخمة، ويجسد مثالا على قدرة القطاع الخاص الإيراني على النمو رغم التحديات والعقوبات. إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من اقتصاد محافظة أذربيجان الشرقية يعتمد بشكل متزايد على استثمارات خاصة كهذا المشروع، ما يعكس قوة وديناميكية الاقتصاد المحلي في ظل الظروف الصعبة.
بيئيا، يعتبر المشروع نموذجا للتنمية المستدامة، إذ يستهلك كميات أقل من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية، وهو أمر بالغ الأهمية. كما استثمرت المجموعة في إنشاء محطات طاقة شمسية بقدرة تصل إلى 500 ميغاواط، ما يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستقلالية الطاقية للمشروع.
تتمثل رؤية "آتاویتا" المستقبلية في التوسع التدريجي حتى بلوغ مساحة ألف هكتار من البيوت الزجاجية، وإضافة مزيد من الأصناف الاستوائية مثل الأناناس والبابايا، فضلا عن استهداف أسواق جديدة في الخليج الفارسي وأوروبا إلى جانب روسيا. هذه الطموحات تجعل من المشروع ليس مجرد مزرعة صناعية، بل مركزا زراعيا متكاملا يجمع بين الابتكار التكنولوجي والإنتاج الكبير والتوجه نحو الأسواق العالمية.

إن مشروع "آتاویتا" اليوم ليس مجرد تجربة زراعية، بل هو دليل عملي على قدرة إيران على الجمع بين التكنولوجيا الحديثة والقدرة التصديرية، بما يعكس إمكاناتها الكبيرة في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة. وهو أيضا رسالة واضحة بأن القطاع الخاص الإيراني قادر على المساهمة في الاقتصاد الوطني، والارتقاء إلى مستوى المنافسة العالمية في واحد من أكثر القطاعات حيوية وأهمية.

تم نسخ رابط الخبر