
تستعد بيروت لاستقبال الموفد الأميركي توماس باراك يوم الإثنين المقبل في زيارة وُصفت بأنها لحظة اختبار صعبة للسيادة اللبنانية، بعد أن تحوّلت وثيقته إلى ما يشبه “صك استسلام سياسي”، وفق توصيف مصادر سياسية ودبلوماسية رفيعة المستوى، اطلعت على مضمون الورقة الأميركية التي تسلّمها الرؤساء الثلاثة في 19 حزيران الماضي.
الوثيقة، المعروفة باسم “ورقة باراك”، تُلزم الحكومة اللبنانية بخطوات تنفيذية تبدأ باتخاذ قرار حكومي في مجلس الوزراء بنزع سلاح حزب الله مقابل وعود بدعم مالي واقتصادي وإعادة الإعمار، وفق دبلوماسية “خطوة مقابل خطوة” التي وضعتها واشنطن كخارطة طريق تبدأ بنزع سلاح حزب الله ولا تنتهي بتدميره.
وجاءت الوثيقة في خمس صفحات، واستلمها الرؤساء الثلاثة وقيادة الجيش، كما وصلت نسخة منها لقيادة حزب الله التي ردت عليها بخطوة واحدة وهي دعوة اسرائيل إلى الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق سراح الاسرى اللبنانيين لديها ووقف الخروقات المتواصلة للسيادة اللبنانية، وإعادة الاعمار بدون شروط، اما موضوع السلاح فهو امر سيادي لبناني يترك للحوار بينهم.
الوثيقة، التي لم تعترف واشنطن رسميًا بوجودها، تضع أمام لبنان مهلة لا تتجاوز شهرين لتنفيذ “التزام واضح بحصرية السلاح بيد الدولة”، تبدأ بتجميع الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة الهجومية، تحت إشراف لجنة عسكرية ومراقبين دوليين تعيّنهم لجنة الإشراف على تنفيذ القرار 1701. وتتولى هذه اللجنة تحديد مصير السلاح: إما تدميره أو السماح للجيش اللبناني باستخدام بعضه.
مصادر مطلعة كشفت أن باراك، خلال زيارته الأولى، استعرض الورقة بنبرة هادئة، لكنه لوّح في خلفيات الحديث بـ”الغلاظة الإسرائيلية”، في إشارة صريحة إلى احتمال تدخل عسكري اسرائيلي مباشر في حال لم يُنفّذ مضمون الوثيقة من الجانب اللبناني.
وقد أبلغ باراك الرؤساء اللبنانيين بأنكم إذا كنتم تريدون الإعمار ودعم الاقتصاد، فعليكم البدء بنزع سلاح حزب الله فوراً. لا أولوية لغير ذلك ، حتى ولو على حساب الإصلاحات المالية والاقتصادية، وان تنفيذ هذا البند سيعيد لبنان إلى الحاضنة الدولية والعربية بقوة بما يتح يتدفق المساعدات الاقتصادية.
وتنص الورقة أيضًا على امكانية مساعدة لبنان في ترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا، تحت مبدأ اعتبار مزارع شبعا أراضي سورية، إضافة إلى مطالبة لبنان بترسيم حدوده الشرقية مع سوريا وفق تصوّر دولي يتضمن إنشاء أبراج مراقبة حدودية متخصصة.
وتفيد المصادر نفسها بأن الرؤساء اللبنانيين الثلاثة استشعروا خطورة الوثيقة على السلم الأهلي، فقرروا تشكيل لجنة مشتركة للرد عليها، واتفقوا على عدم طرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء إلا بالاتفاق مسبقا على الأمر بينهم، وعقدت اللجنة الثلاثية التي تمثل الرؤساء الثلاثة اجتماعات عدة في إطار تحضير الرد اللبناني الموحد على وثيقة باراك.
وفي خطوة مهمة للرئيس بري وبالتشاور مع قيادة المقاومة تم تشكيل لجنة خاصة بين حزب الله وحركة امل لتنسيق الموقف والرد ونقله إلى الرؤساء الثلاثة واللجنة الثلاثية، لتنسيق الرد الموحد وتسليمه للمبعوث الاميركي.
الرد اللبناني الذي سيتسلّمه باراك شخصياً خلال زيارته الثانية إلى لبنان، بحسب المصادر ذاتها، يتضمن موقفاً موحداً يفند فيه الالتزامات التي قامت بها الدولة اللبنانية والجيش والمقاومة لتطبيق مندرجات القرار ١٧٠١ ، في حين لم تلتزم إسرائيل باي خطوة بالمقابل ولا زالت تستمر بالعدوان والخروقات.
وتؤكد المصادر السياسية والدبلوماسية أن قيادة حزب الله أبلغت رسميا بعد التشاور مع الرئيس بري ، الرؤساء برفض الابتزاز السياسي وربط إعادة الإعمار بأي التزامات أمنية أو عسكرية، وشددت قيادة الحزب على ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الانتهاكات الجوية والبرية، وإطلاق سراح الأسرى، ويرى حزب الله أن مسالة السلاح أمر داخلي لبناني سيادي يخضع للحوار بين اللبنانين ولا يحق لاي طرف خارجي التدخل فيه.
وسيركّز الرد اللبناني على التأكيد بأن القرار 1701 لا ينصّ على نزع سلاح حزب الله، بل يقتصر على إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني، وهو ما تقرّ به حتى بعض الجهات الأميركية. إلا أن التحرك الأميركي الأخير، المدفوع بالضغط الإسرائيلي، يسعى لفرض مهلة لا تتجاوز الشهرين لنزع سلاح الحزب، في محاولة لإنهاء ما تعتبره واشنطن وتل أبيب “التهديد الأخير والأقوى” المتبقي على حدود إسرائيل. وتتفق واشنطن مع تل ابيب على أن الحكومة اللبنانية، وفي ظل موازين القوى الداخلية والتعقيدات الإقليمية والدولية، لا تملك القدرة، لا السياسية ولا الميدانية، على تجريد حزب الله من سلاحه.
اللافت في الورقة، بحسب المصادر، أنها تحاول مقايضة موافقة حزب الله على شروط الاستسلام بعدم ممانعة واشنطن اعتباره مكوّنًا سياسيًا في البرلمان والحكومة، ما دام سلم سلاحه النوعي، بينما تعتبر السلاح المتوسط والخفيف مسألة داخلية لا تهمّ المجتمع الدولي.