
لا يعكس الصمت الذي يخيم على الطريق الواصل إلى منطقة العرقوب جنوب لبنان، صورة مشهد الحرب الطاحنة التي دارت لأكثر من عام قبل أن تتوقف في 27 تشرين الأول الماضي في بلداتها السبعة، وكان لـ"كفرشوبا" أشهرها، النصيب الأكبر من قساوتها وآثارها المدمرة.
طعن مشهد الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية والممتد من مدخل كفرشوبا إلى أحيائها، جمال الطبيعة الجبلية في تلك البلدة الخضراء، وانقطعت قوافل السيّاح عنها، فيما تجول بضع آليات عسكرية للجيش اللبناني مراراً على طول حدودها المطلة على جبل الشيخ المحتل، لدرء نيران محتملة من مراصد العدو الواضحة بالعين المجردة لسكانها الذين بدأو بالعودة إليها مؤخراً، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها الأربعاء الماضي.
تلتقي بعض عوائل كفرشوبا ببعضها لأول مرة منذ عام، فسكانها العامل معظمهم في الزراعة، هُجروا منها قسراً تحت جمر القنابل العنقودية الإسرائيلية التي كانت أحراش البلدة المثمرة أولى البلدات الجنوبية المشتعلة بها خلال الحرب.
خلّف القصف الإسرائيلي دماراً واسعاً في منازل البلدة وأبنيتها التي لازالت فرق الدفاع المدني اللبناني ومنذ ستة أيام تنتشل جثامين الشهداء العالقين تحت ركام بعضها، لكن المشهد وقساوته بكل تفاصيله الغير مرئية في خلفياتها، بدا انعكاسه مغايراً تماماً على عوائل "كفرشوبا" الذين دخلوها لأول مرة أمس الثلاثاء، حاملين صوراً لأفراد منهم ارتقوا شهداء خلال دفاعهم عن البلدة.
على متن مركبات عُلق على زجاجها صور أبنائهم الشهداء، يتجول سكان البلدة في أحيائها، بعضهم وضع صوراً لشهيدين أو أكثر على مركبته، وآخرون رفعوها على ركام منازلهم وبين أحجار الأبنية المتناثرة، وكأنهم يقولون لمن يقابلهم أول مرة، "نحن أسرة أولئك الأبطال"، يفتخرون بالفقد رغم ألمه.
تقول زوجة أحد شهداء كفر شوبا من أمام ركام منزلها " بفضل دماء شهدائنا الطاهرة عدنا بكرامتنا لنعيش بسلام، ورغم التدمير ورغم كل شيء، نحن مع المقاومة".
تحمل كل عائلة شهيد في كفر شوبا راية المقاومة التي قاتل أبنائها تحت مظلتها العدو الإسرائيلي الذي ظنّ أن استباحة دمائهم وتدمير أرضهم سيكفل بتحقيق هدفه من الحرب بإبعادعم عنها.
من نقطة تطل على جبل الشيخ المحتل، يشير رجل طليق الحديث في البلدة إلى وجوده على أبواب فلسطين، ويدعو سكان الجنوب اللبناني إلى الثبات في أرضهم "التي سقيت ببدماء الشهداء الذين رابطوا فيها حتى ارتقائهم"، ويوجه التحية للأمين الشهيد "حسن نصرالله" مؤكداً تمسكه بمدرسته التي أوصت بـ "مواصلة النضال حتى تحرير القدس".
لايترك حديث عوائل كفرشوبا الجنوبية أثراً لسرد تقرير صحفي حول محطات الحرب القاسية في بلدتهم، وتوثيق مآلات تلك المرحلة الاستثنائية من تاريخ حروب لبنان مع "إسرائيل"، فالخلاصة التي تدون عادة بعد الحرب تنحصر بنتائجها، وفي جنوب لبنان وبشكل قطعي هزمت "إسرائيل" ولم تحصد في هذه الحرب سوى الدماء والدمار الذي وصف بالأكبر بين كل الحروب التي شنتها ضد لبنان، وفي المقلب الآخر عشرات آلاف العوائل اللبنانية التي فقدت أبنائها وخسرت منازلها في هذه البلاد، ترفع راية النصر بكل يقين وإيمان.