الواقع الخدمي في دمشق.. انهيار في بعض القطاعات وارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية

بعد أكثر من عشرة أيام على سيطرة المعارضة على السلطة في سوريا، بدأت ملامح الواقع الجديد تتكشف في العاصمة. وتواجه دمشق كما باقي المدن والمحافظات السورية تحديات ضخمة تتمثل في استعادة أدنى مقومات الحياة اليومية.

وما يزال الحصول على الاحتياجات اليومية في دمشق يشكل تحدياً مستمراً للأهالي، بدءاً من ارتفاع أسعار المحروقات، مروراً بأزمات الكهرباء وتراجع الخدمات الصحية، وصولاً إلى ارتفاع تكاليف النقل والخبز.

وأفادت مصادر محلية سورية، بأن مادتي المازوت والبنزين باتا متوفرين حاليا، إلا أن بعض المناطق لا تزال تعاني من نقص في الإمدادات. وأشارت إلى أن البيع لم يعد يتم عبر نظام "البطاقة الذكية"، في حين أن أسعار المحروقات لم تشهد تغييرات كبيرة بالنسبة للفئة غير المشمولة بالدعم، والتي تمثل الشريحة الأكبر من المواطنين.

وما يزال المازوت والبنزين يباعان على البسطات المنتشرة على الأرصفة، ويبلغ سعر اللتر نحو 22 ألف ليرة سورية ( ما يعادل 1.46 دولار أميركي). في حين حدد ثمن تبديل إسطوانة الغاز بـ180 ألف ليرة إلا أنّ السعر يصل عند بعض المعتمدين إلى أكثر من 200 ألف ليرة سورية.

وفي الأيام الأولى التي أعقبت سيطرة المعارضة على الحكم، شهدت العاصمة تحسناً ملحوظاً في واقع الكهرباء، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه، فقد أعيد تطبيق برامج التقنين المعتادة، مع تكرار الوعود بتحسين الأوضاع قريباً بمجرد وصول شحنات الفيول اللازمة لتشغيل محطات التوليد. في المقابل، تغيب الكهرباء بشكل كامل عن بعض أحياء دمشق بسبب تعرض الأكبال الرئيسية للسرقة.

وبالنسبة إلى القطاع الصحي، فقد استمرت جميع المستشفيات الخاصة في دمشق استمرت في تقديم خدماتها دون توقف. أما المستشفيات العامة فقد تعرضت لانهيار مفاجئ، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات، تدعو أصحاب التخصصات الطبية للتوجه إلى المستشفيات لسد هذا العجز الكبير. حيث قدم أطباء أسنان وطالبات مدرسة التمريض، دعماً حيوياً للمشافي الحكومية.
 


كما أسهمت جمعيات المجتمع الأهلي ومتطوعون مدربون على الإسعافات الأولية في سد الفجوة. إضافة إلى ذلك، تطوع طلاب الدراسات الطبية للعمل كصيادلة لتلبية احتياجات المرضى.

وكان المدير الطبي لمشفى المواساة الجامعي الدكتور عمار الراعي قال إنّ انقطاع الاتصال وانتشار الفوضى في العاصمة أدى إلى تراجع عدد الممرضات في المستشفى إلى 10 فقط من أصل 800، مما شكل تحدياً كبيراً في تقديم الخدمات الصحية الأساسية.

وأفاد الراعي في تصريحات تلفزيونية بأن القطاع شهد تحسناً ملحوظاً بعودة نحو 60% من الكادر التمريضي و90% من الإداريين.

إلى جانب نقص الكوادر، تواجه المستشفيات العامة عجزاً حاداً في المعدات الطبية، فضلاً عن انقطاع خدمات الطعام المقدمة للكوادر الطبية. لذا أطلق الأهالي مبادرات تمثلت في إعداد الطعام في المنازل ونقله إلى المستشفيات لدعم الأطباء والعاملين.

وخلال الأيام القليلة الماضية، عادت وسائل النقل تدريجياً إلى العمل بفضل توفر المحروقات في المحطات. ومع ذلك، شهدت أجور النقل ارتفاعاً كبيراً، فقد ارتفعت كلفة ركوب الحافلة الصغيرة (الميكروباص) من ألف ليرة إلى ما بين 4 و5 آلاف ليرة سورية. ويعود هذا الارتفاع إلى إيقاف جميع المخصصات المرتبطة بوسائل النقل.

لكن ارتفاع أجور النقل أدى في المقابل إلى تحفيز السائقين للعودة إلى العمل، نظراً للجدوى الاقتصادية الجديدة التي جعلت عملهم أكثر ربحية.

رفع أجور المواصلات بنسبة تصل إلى 350% أثّر بشكل كبير على الأهالي، فقد زادت كلفة التنقل اليومية بشكل يفوق قدرة العديد من الأسر، ما زاد من أعبائهم المعيشية في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى. هذا الارتفاع الحاد أجبر البعض على تقليص استخدام وسائل النقل العامة أو البحث عن بدائل أقل كلفة.

وأكد عدد من سكان العاصمة دمشق أن مادة الخبز، التي تشكل أساس وجبات السوريين، أصبحت متوفرة بشكل طبيعي في الأفران الحكومية. وكان الخبز يباع سابقاً عبر "البطاقة الذكية" بمخصصات محددة لكل عائلة، ما أجبر كثيراً من الأسر على اللجوء إلى شراء الخبز من مصادر أخرى بأسعار مرتفعة عندما لا تكفيهم الكميات المخصصة.

أما أسعار الخبز، فقد كانت ربطة الخبز تباع عبر البطاقة الذكية بـ400 ليرة سورية (7 أرغفة). حالياً، ارتفع سعر الربطة إلى 4000 ليرة، مع زيادة عدد الأرغفة، ما يعني ارتفاع السعر مقابل زيادة ملحوظة في الكمية.

الى ذلك، توقف التعليم في جميع المدن السورية لمدة أسبوع بعد سيطرة المعارضة، قبل أن يستأنف الدوام يوم الأحد الماضي، لكن سجلت نسبة غياب مرتفعة بين الطلاب في اليوم الأول، وسرعان ما بدأت تتحسن تدريجياً، وفقاً لما قاله مدرسون في مدارس ابتدائية في دمشق.

ورغم استئناف العملية التعليمية، لا يزال الخوف على الأطفال من تداعيات الوضع الأمني يشكل هاجساً كبيراً لدى الأهالي، خاصة بعد انتشار أعمال سرقة وتجاوزات في العاصمة.

وفي ما يتعلق بالمعاهد الخاصة، قرر العديد من الطلاب التوقف عن متابعة الدروس وسحبوا أموالهم المدفوعة. وأكد مدرسون في معاهد خاصة بدمشق أن التوتر في البلاد كان عاملاً أساسياً وراء هذا التراجع في الإقبال على التعليم الخاص والاحتفاظ بالأموال للاحتياجات الأكثر أهمية.

بعد توقف دام أكثر من أسبوع، عادت الصرافات الآلية للعمل في سوريا، فقد أعلن مصرف سوريا المركزي عن إعادة تشغيلها، مع إدخال خدمات الدفع الإلكتروني كجزء من التحديثات.

وأكد المصرف في بيان أن الإجراءات المتبعة حالياً في إدارة العمليات المصرفية هي تدابير مؤقتة، تهدف إلى تيسير الخدمات في هذه المرحلة، موضحا أن هذه الإجراءات سترفع تدريجياً مع العمل على تطوير نظام خدمات مصرفية متكامل يلبي احتياجات العملاء بشكل أفضل في المستقبل.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد توثق ازدحامات كبيرة على الصرافات من قبل الأهالي في محاولة لسحب أجزاء من مدخراتهم التي بقيت لأكثر من أسبوع حبيسة البنوك من دون القدرة على سحبها.

وفي النهاية، تبدو معظم الخدمات الأساسية في دمشق وغيرها من المدن، في حالة متدهورة وتحتاج إلى جهود لإعادة تأهيلها.

تم نسخ رابط الخبر